فصل: النوع الثاني: المحرمات تحريم السبب

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المغني **


مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏وإذا زوج أمته وشرط عليه أن تكون عندهم بالنهار ويبعث بها إليه بالليل‏,‏ فالعقد والشرط جائزان وعلى الزوج النفقة مدة مقامها عنده‏]‏

أما الشرط‏:‏ فصحيح لأنه لا يخل بمقصود النكاح فإن الاستمتاع إنما يكون ليلا‏,‏ وإذا كان الشرط صحيحا لم يمنع صحة العقد فيكونان صحيحين وعلى الزوج النفقة في الليل لأنها سلمت إليه فيه وليس عليه نفقة النهار لأنها في مقابلة الاستمتاع‏,‏ وهو لا يتمكن من الاستمتاع بها في تلك الحال وإذا لم تجب نفقة النهار على الزوج وجبت على السيد لأنها في خدمته حينئذ ولأنها باقية على الأصل في وجوبها على السيد فتكون نفقتها بينهما نصفين وكذلك الكسوة وقال بعض أصحاب الشافعي‏:‏ ليس على الزوج شيء من النفقة لأنها لا تجب إلا بالتمكين التام‏,‏ ولم يوجد فلم يجب منها شيء كالحرة إذا بذلت التسليم في بعض الزمان دون بعض ولنا أن النفقة عوض في مقابلة المنفعة فوجب منها بقدر ما يستوفيه‏,‏ كالأجرة في الإجارة وفارقت الحرة لأن التسليم عليها واجب في جميع الزمان فإذا امتنعت منه في البعض‏,‏ فلم تسلم ما وجب عليها تسليمه وهاهنا قد سلم السيد جميع ما وجب عليه‏.‏

فصل‏:‏ فإن زوجها من غير شرط فقال القاضي‏:‏ الحكم فيه كما لو شرط وله استخدامها نهارا‏,‏ وعليه إرسالها ليلا للاستمتاع بها لأنه زمانه وذلك لأن السيد يملك من أمته منفعتين منفعة الاستخدام والاستمتاع‏,‏ فإذا عقد على إحداهما لم يلزمه تسليمها إلا في زمن استيفائها كما لو أجرها للخدمة‏,‏ لم يلزمه تسليمها إلا في زمنها وهو النهار والنفقة بينهما على قدر إقامتها عندهما وإن تبرع السيد بإرسالها ليلا ونهارا فالنفقة كلها على الزوج‏,‏ وإن تبرع الزوج بتركها عند السيد ليلا ونهارا لم تسقط نفقتها عنه ولو تبرع كل واحد منهما بتركها عند الآخر وتدافعاها‏,‏ كانت نفقتها كلها على الزوج لأن الزوجية تقتضي وجوب النفقة ما لم يمنع من استمتاعها عدوانا أو بشرط أو نحوه‏,‏ ولذلك تجب نفقتها مع تعذر استمتاعها بمرض أو حيض أو نحوهما فإذا لم يكن من السيد ها هنا منع فالنفقة على الزوج لوجود الزوجية المقتضية لها وعدم المانع منها‏.‏

فصل‏:‏

فإن أراد الزوج السفر بها لم يملك ذلك لأنه يفوت خدمتها المستحقة لسيدها‏,‏ وإن أراد السيد السفر بها فقد توقف أحمد عن ذلك وقال‏:‏ ما أدرى فيحتمل المنع منه لأنه يفوت حق الزوج منها‏,‏ فمنع منه قياسا على ما لو منعه منه مع الإقامة ولأنه مالك لإحدى منفعتيها فلم يملك منع الآخر من السفر بها‏,‏ كالسيد وكما لو أجرها ثم أراد السفر بها ويحتمل أن له السفر بها لأنه مالك رقبتها كسيد العبد إذا زوجه‏,‏ وإن شرط الزوج أن تسلم إليه الأمة ليلا ونهارا جاز وعليه نفقتها كلها وليس للسيد السفر بها لأنه لا حق له في نفعها‏.‏

فصل‏:‏

ويستحب لمن أراد التزوج أن يختار ذات الدين لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ تنكح المرأة لمالها‏,‏ ولحسبها ولجمالها ولدينها فاظفر بذات الدين تربت يداك ‏)‏‏)‏ متفق عليه ويختار البكر لقول رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ أتزوجت يا جابر‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ نعم قال‏:‏ بكرا أم ثيبا‏؟‏ قال‏:‏ قلت‏:‏ بل ثيبا قال‏:‏ فهلا بكرا تلاعبها وتلاعبك‏؟‏ ‏)‏‏)‏ متفق عليه وعن عطاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ عليكم بالأبكار‏,‏ فإنهن أعذب أفواها وأنقى أرحاما ‏)‏‏)‏ رواه الإمام أحمد وفي رواية‏:‏ ‏(‏‏(‏ وأنتق أرحاما وأرضى باليسير ‏)‏‏)‏ ويستحب أن تكون من نساء يعرفن بكثرة الولادة لما روي عن أنس قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يأمر بالباءة وينهى عن التبتل نهيا شديدا ويقول‏:‏ تزوجوا الودود الولود‏,‏ فإني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ‏)‏‏)‏ رواه سعيد وروى معقل بن يسار قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال‏:‏ إني أصبت امرأة ذات حسب ومنصب إلا أنها لا تلد‏,‏ أفأتزوجها‏؟‏ فنهاه ثم أتاه الثانية فنهاه‏,‏ ثم أتاه الثالثة فقال‏:‏ تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم ‏)‏‏)‏ رواه النسائي وعن على بن الحسين‏,‏ أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ يا بني هاشم عليكم بنساء الأعاجم فالتمسوا أولادهن فإن في أرحامهن البركة ‏)‏‏)‏ ويختار الجميلة لأنها أسكن لنفسه وأغض لبصره‏,‏ وأكمل لمودته ولذلك شرع النظر قبل النكاح وقد روي عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم عن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أنه قال ‏(‏‏(‏ إنما النساء لعب فإذا اتخذ أحدكم لعبة فليستحسنها ‏)‏‏)‏ وعن أبي هريرة‏,‏ قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ قيل يا رسول الله‏:‏ أي النساء خير‏؟‏ قال التي تسره إذا نظر وتطيعه إذا أمر ولا تخالفه في نفسها ولا في ماله بما يكره ‏)‏‏)‏ رواه النسائي وعن يحيى بن جعدة أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ خير فائدة أفادها المرء المسلم بعد إسلامه‏,‏ امرأة جميلة تسره إذا نظر إليها وتطيعه إذا أمرها‏,‏ وتحفظه في غيبته في ماله ونفسها ‏)‏‏)‏ رواه سعيد ويختار ذات العقل ويجتنب الحمقاء لأن النكاح يراد للعشرة ولا تصلح العشرة مع الحمقاء ولا يطيب العيش معها‏,‏ وربما تعدى ذلك إلى ولدها وقد قيل‏:‏ اجتنبوا الحمقاء فإن ولدها ضياع وصحبتها بلاء ويختار الحسيبة‏,‏ ليكون ولدها نجيبا فإنه ربما أشبه أهلها ونزع إليهم وكان يقال‏:‏ إذا أردت أن تتزوج امرأة فانظر إلى أبيها وأخيها وعن عائشة‏,‏ قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ تخيروا لنطفكم وانكحوا الأكفاء وأنكحوا إليهم ‏)‏‏)‏ ويختار الأجنبية‏,‏ فإن ولدها أنجب ولهذا يقال‏:‏ اغتربوا لا تضووا يعني‏:‏ انكحوا الغرائب كي لا تضعف أولادكم وقال بعضهم‏:‏ الغرائب أنجب وبنات العم أصبر ولأنه لا تؤمن العداوة في النكاح‏,‏ وإفضاؤه إلى الطلاق فإذا كان في قرابته أفضى إلى قطيعة الرحم المأمور بصلتها والله أعلم‏.‏

باب ما يحرم نكاحه والجمع بينه وغير ذلك التحريم‏:‏

للنكاح ضربان‏:‏ تحريم عين وتحريم جمع، ويتنوع أيضا نوعين‏:‏

تحريم نسب‏,‏ وتحريم سبب‏.‏ والأصل في ذلك الكتاب والسنة والإجماع فأما الكتاب‏:‏ فقول الله تعالى ‏{‏ حرمت عليكم أمهاتكم‏}‏ والآية التي قبلها والتى بعدها وأما السنة‏:‏ فروى أبو هريرة عن رسول الله أنه قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ لا يجمع الرجل بين المرأة وعمتها‏,‏ ولا بينها وبين خالتها ‏)‏‏)‏ متفق عليه وعن عائشة رضي الله عنها قالت‏:‏ قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-‏:‏ ‏(‏‏(‏ إن الرضاعة تحرم ما تحرم الولادة ‏)‏‏)‏ أخرجه مسلم وأجمعت الأمة على تحريم ما نص الله تعالى على تحريمه‏.‏

‏[‏النوع الأول‏:‏ المحرمات تحريم نسب‏]‏

قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ والمحرمات نكاحهن بالأنساب‏:‏ الأمهات والبنات والأخوات‏,‏ والعمات والخالات وبنات الأخ‏,‏ وبنات الأخت والمحرمات بالأسباب‏:‏ الأمهات المرضعات والأخوات من الرضاعة وأمهات النساء‏,‏ وبنات النساء اللاتى دخل بهن وحلائل الأبناء وزوجات الأب‏,‏ والجمع بين الأختين ‏)‏‏)‏

وجملة ذلك أن المنصوص على تحريمهن في الكتاب أربع عشرة سبع بالنسب واثنتان بالرضاع‏,‏ وأربع بالمصاهرة وواحدة بالجمع فأما اللواتى بالنسب فأولهن الأمهات وهن كل من انتسبت إليها بولادة‏,‏ سواء وقع عليها اسم الأم حقيقة وهي التي ولدتك أو مجازا وهي التي ولدت من ولدك وإن علت‏,‏ من ذلك جدتاك‏:‏ أم أمك وأم أبيك وجدتا أمك وجدتا أبيك وجدات جداتك وجدات أجدادك وإن علون‏,‏ وارثات كن أو غير وارثات كلهن أمهات محرمات ذكر أبو هريرة هاجر أم إسماعيل فقال‏:‏ تلك أمكم يا بني ماء السماء وفي الدعاء‏:‏ اللهم صل على أبينا آدم وأمنا حواء والبنات وهن كل أنثى انتسبت إليك بولادتك كابنة الصلب‏,‏ وبنات البنين والبنات وإن نزلت درجتهن وارثات أو غير وارثات كلهن بنات محرمات لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وبناتكم‏}‏ فإن كل امرأة بنت آدم‏,‏ كما أن كل رجل ابن آدم قال الله تعالى ‏{‏ يا بني آدم‏}‏ والأخوات من الجهات الثلاث من الأبوين أو من الأب‏,‏ أو من الأم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وأخواتكم‏}‏ ولا تفريع عليهن والعمات أخوات الأب من الجهات الثلاث وأخوات الأجداد من قبل الأب ومن قبل الأم‏,‏ قريبا كان الجد أو بعيدا وارثا أو غير وارث لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وعماتكم‏}‏ والخالات أخوات الأم من الجهات الثلاث‏,‏ وأخوات الجدات وإن علون وقد ذكرنا أن كل جدة أم فكذلك كل أخت لجدة خالة محرمة لقوله تعالى ‏{‏ وخالاتكم‏}‏ وبنات الأخ كل امرأة انتسبت إلى أخ بولادة فهي بنت أخ محرمة من أي جهة كان الأخ لقوله تعالى تعالى‏:‏ ‏{‏ وبنات الأخ‏}‏ وبنات الأخت كذلك أيضا محرمات لقوله سبحانه وتعالى ‏{‏ وبنات الأخت‏}‏ فهؤلاء المحرمات بالأنساب‏.‏

النوع الثاني‏:‏ المحرمات تحريم السبب

وهو قسمان‏:‏ رضاع ومصاهرة‏.‏

فأما الرضاع‏:‏

فالمنصوص على التحريم فيه اثنتان الأمهات المرضعات وهن اللاتى أرضعنك وأمهاتهن وجداتهن وإن علت درجتهن على حسب ما ذكرنا في النسب‏,‏ محرمات بقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وأمهاتكم اللاتى أرضعنكم وأخواتكم من الرضاعة‏}‏ كل امرأة أرضعتك أمها أو أرضعتها أمك أو أرضعتك وإياها امرأة واحدة أو ارتضعت أنت وهي من لبن رجل واحد‏,‏ كرجل له امرأتان لهما لبن أرضعتك إحداهما وأرضعتها الأخرى‏,‏ فهي أختك محرمة عليك لقوله سبحانه‏:‏ ‏{‏ وأخواتكم من الرضاعة‏}

القسم الثاني‏:‏ تحريم المصاهرة

والمنصوص عليه أربع أمهات النساء‏,‏ فمن تزوج امرأة حرم عليه كل أم لها من نسب أو رضاع قريبة أو بعيدة بمجرد العقد نص عليه أحمد وهو قول أكثر أهل العلم منهم ابن مسعود وابن عمر وجابر وعمران بن حصين وكثير من التابعين وبه يقول مالك والشافعي وأصحاب الرأي وحكي عن على رضي الله عنه أنها لا تحرم إلا بالدخول بابنتها‏,‏ كما لا تحرم ابنتها إلا بالدخول ولنا قول الله تعالى ‏{‏ وأمهات نسائكم‏}‏ والمعقود عليها من نسائه فتدخل أمها في عموم الآية قال ابن عباس‏:‏ أبهموا ما أبهم القرآن يعني عمموا حكمها في كل حال ولا تفصلوا بين المدخول بها وبين غيرها وروى عمرو بن شعيب عن أبيه‏,‏ عن جده أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال‏:‏ ‏(‏‏(‏ من تزوج امرأة فطلقها قبل أن دخل بها فلا بأس أن يتزوج ربيبته ولا يحل له أن يتزوج أمها ‏)‏‏)‏ رواه أبو حفص بإسناده وقال زيد تحرم بالدخول أو بالموت لأنه يقوم مقام الدخول وقد ذكرنا ما يوجب التحريم مطلقا‏,‏ سواء وجد الدخول أو الموت أو لا ولأنها حرمت بالمصاهرة بقول مبهم فحرمت بنفس العقد كحليلة الابن والأب الثانية‏:‏ بنات النساء اللاتى دخل بهن‏,‏ وهن الربائب فلا يحرمن إلا بالدخول بأمهاتهن وهن كل بنت للزوجة من نسب أو رضاع‏,‏ قريبة أو بعيدة وارثة أو غير وارثة على حسب ما ذكرنا في البنات‏,‏ إذا دخل بالأم حرمت عليه سواء كانت في حجره أو لم تكن في قول عامة الفقهاء‏,‏ إلا أنه روي عن عمر وعلى رضي الله تعالى عنهما أنهما رخصا فيها إذا لم تكن في حجره وهو قول داود لقول الله تعالى‏:‏ ‏{‏ وربائبكم اللاتى في حجوركم‏}‏ قال ابن المنذر‏:‏ وقد أجمع علماء الأمصار على خلاف هذا القول وقد ذكرنا حديث عبد الله بن عمرو في هذا ‏(‏‏(‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- لأم حبيبة‏:‏ لا تعرضن على بناتكن ولا أخواتكن ‏)‏‏)‏ ولأن التربية لا تأثير لها في التحريم كسائر المحرمات وأما الآية فلم تخرج مخرج الشرط‏,‏ وإنما وصفها بذلك تعريفا لها بغالب حالها وما خرج مخرج الغالب لا يصح التمسك بمفهومه وإن لم يدخل بالمرأة لم تحرم عليه بناتها في قول عامة علماء الأمصار إذا بانت من نكاحه‏,‏ إلا أن يموت قبل الدخول ففيه روايتان إحداهما‏:‏ تحرم ابنتها وبه قال زيد بن ثابت وهي اختيار أبي بكر لأن الموت أقيم مقام الدخول في تكميل العدة والصداق‏,‏ فيقوم مقامه في تحريم الربيبة والثانية‏:‏ لا تحرم وهو قول على ومذهب عامة العلماء قال ابن المنذر‏:‏ أجمع عوام علماء الأمصار على أن الرجل إذا تزوج المرأة ثم طلقها أو ماتت قبل الدخول بها جاز له أن يتزوج ابنتها كذلك قال مالك‏,‏ والثوري والأوزاعي والشافعي‏,‏ وأحمد وإسحاق وأبو ثور‏,‏ ومن تبعهم لأن الله تعالى قال‏:‏ ‏{‏ من نسائكم اللاتى دخلتم بهن فإن لم تكونوا دخلتم بهن فلا جناح عليكم‏}‏ وهذا نص لا يترك لقياس ضعيف وحديث عبد الله بن عمرو وقد ذكرناه ولأنها فرقة قبل الدخول فلم تحرم الربيبة كفرقة الطلاق والموت لا يجرى مجرى الدخول في الإحصان والإحلال وعدة الأقراء‏,‏ وقيامه مقامه من وجه ليس بأولى من مفارقته إياه من وجه آخر ولو قام مقامه من كل وجه فلا يترك صريح نص الله تعالى ونص رسوله لقياس ولا غيره إذا ثبت هذا‏,‏ فإن الدخول بها هو وطؤها كنى عنه بالدخول فإن خلا بها ولم يطأها‏,‏ لم تحرم ابنتها لأنها غير مدخول بها وظاهر قول الخرقي تحريمها لقوله‏:‏ فإن خلا بها وقال لم أطأها وصدقته لم يلتفت إلى قولهما وكان حكمها حكم المدخول في جميع أمورها إلا في الرجوع إلى زوج طلقها ثلاثا وفي الزنا‏,‏ فإنهما يجلدان ولا يرجمان وسنذكره فيما بعد إن شاء الله الثالثة‏:‏ حلائل الأبناء يعني أزواجهم سميت امرأة الرجل حليلته لأنها محل إزار زوجها‏,‏ وهي محللة له فيحرم على الرجل أزواج أبنائه وأبناء بناته‏,‏ من نسب أو رضاع قريبا كان أو بعيدا بمجرد العقد لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ وحلائل أبنائكم‏}‏ ولا نعلم في هذا خلافا الرابعة‏:‏ زوجات الأب فتحرم على الرجل امرأة أبيه‏,‏ قريبا كان أو بعيدا وارثا كان أو غير وارث من نسب أو رضاع لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ ولا تنكحوا ما نكح آباؤكم من النساء إلا ما قد سلف‏}‏ وقال البراء بن عازب‏:‏ ‏(‏‏(‏ لقيت خالي‏,‏ ومعه الراية فقلت‏:‏ أين تريد‏؟‏ قال‏:‏ أرسلني رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى رجل تزوج امرأة أبيه من بعده أن أضرب عنقه أو أقتله ‏)‏‏)‏ رواه النسائي وفي رواية قال‏:‏ لقيت عمى الحارث بن عمرو ومعه الراية فذكر الخبر كذلك رواه سعيد وغيره وسواء في هذا امرأة أبيه‏,‏ أو امرأة جده لأبيه وجده لأمه قرب أم بعد وليس في هذا بين أهل العلم خلاف علمناه والحمد لله ويحرم عليه من وطئها أبوه‏,‏ أو ابنه بملك يمين أو شبهة كما يحرم عليه من وطئها في عقد نكاح قال ابن المنذر‏:‏ الملك في هذا والرضاع بمنزلة النسب‏,‏ وممن حفظنا ذلك عنه عطاء وطاوس والحسن وابن سيرين ومكحول وقتادة والثوري والأوزاعي وأبو عبيد وأبو ثور وأصحاب الرأي ولا نحفظ عن أحد خلافهم‏.‏

الضرب الثاني‏:‏

تحريم الجمع والمذكور في الكتاب الجمع بين الأختين سواء كانتا من نسب أو رضاع حرتين كانتا أو أمتين أو حرة وأمة‏,‏ من أبوين كانتا أو من أب أو أم وسواء في هذا ما قبل الدخول أو بعده لعموم الآية فإن تزوجهما في عقد واحد فسد لأنه لا مزية لإحداهما على الأخرى‏,‏ وسواء علم بذلك حال العقد أو بعده فإن تزوج إحداهما بعد الأخرى فنكاح الأولى صحيح لأنه لم يحصل فيه جمع ونكاح الثانية باطل لأن به يحصل الجمع‏,‏ وليس في هذا - بحمد الله - اختلاف وليس عليه تفريع‏.‏

مسألة‏:‏

‏[‏ويحرم من الرضاع ما يحرم من النسب‏]‏

كل امرأة حرمت من النسب حرم مثلها من الرضاع وهن الأمهات والبنات‏,‏ والأخوات والعمات والخالات‏,‏ وبنات الأخ وبنات الأخت على الوجه الذي شرحناه في النسب لقول النبي -صلى الله عليه وسلم- ‏(‏‏(‏ يحرم من الرضاع ما يحرم من النسب ‏)‏‏)‏ متفق عليه وفي رواية مسلم‏:‏ ‏(‏‏(‏ الرضاع يحرم ما تحرم الولادة ‏)‏‏)‏ ‏(‏‏(‏ وقال النبي -صلى الله عليه وسلم- في درة بنت أبي سلمة‏:‏ إنها لو لم تكن ربيبتى في حجرى ما حلت لي‏,‏ إنها ابنة أخي من الرضاعة أرضعتني وأباها ثويبة ‏)‏‏)‏ متفق عليه ولأن الأمهات والأخوات منصوص عليهن والباقيات يدخلن في عموم لفظ سائر المحرمات ولا نعلم في هذا خلافا‏.‏

مسألة‏:‏

قال‏:‏ ‏[‏ولبن الفحل محرم‏]‏

معناه أن المرأة إذا أرضعت طفلا بلبن ثاب من وطء رجل حرم الطفل على الرجل وأقاربه‏,‏ كما يحرم ولده من النسب لأن اللبن من الرجل كما هو من المرأة فيصير الطفل ولدا للرجل والرجل أباه‏,‏ وأولاد الرجل إخوته سواء كانوا من تلك المرأة أو من غيرها وإخوة الرجل وأخواته أعمام الطفل وعماته‏,‏ وآباؤه وأمهاته أجداده وجداته قال أحمد لبن الفحل أن يكون للرجل امرأتان فترضع هذه صبية وهذه صبيا لا يزوج هذا من هذا وسئل ابن عباس عن رجل له جاريتان أرضعت إحداهما جارية والأخرى غلاما‏,‏ فقال‏:‏ لا اللقاح واحد قال الترمذي‏:‏ هذا تفسير لبن الفحل وممن قال بتحريمه على وابن عباس‏,‏ وعطاء وطاوس ومجاهد‏,‏ والحسن والشعبي والقاسم وعروة‏,‏ ومالك والثوري والأوزاعي‏,‏ والشافعي وإسحاق وأبو عبيد‏,‏ وأبو ثور وابن المنذر وأصحاب الرأي قال ابن عبد البر‏:‏ وإليه ذهب فقهاء الأمصار بالحجاز والعراق والشام وجماعة أهل الحديث ورخص في لبن الفحل سعيد بن المسيب‏,‏ وأبو سلمة بن عبد الرحمن وسليمان بن يسار وعطاء بن يسار والنخعي وأبو قلابة ويروى ذلك عن ابن الزبير وجماعة من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- غير مسمين لأن الرضاع من المرأة لا من الرجل ويروى عن زينب بنت أبي سلمة أنها أرضعتها أسماء بنت أبي بكر‏,‏ امرأة الزبير قالت‏:‏ وكان الزبير يدخل على وأنا أمتشط فيأخذ بقرن من قرون رأسى فيقول‏:‏ أقبلى على فحدثيني أراه والدا‏,‏ وما ولد فهم إخوتى ثم إن عبد الله بن الزبير أرسل إلى يخطب أم كلثوم ابنتى على حمزة بن الزبير وكان حمزة للكلبية‏,‏ فقلت لرسوله‏:‏ وهل تحل له وإنما هي ابنة أخته‏؟‏ فقال عبد الله‏:‏ إنما أردت بهذا المنع لما قبلك أما ما ولدت أسماء فهم إخوتك وما كان من غير أسماء فليسوا لك بإخوة‏,‏ فأرسلى فسلى عن هذا فأرسلت فسألت وأصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- متوافرون فقالوا لها‏:‏ إن الرضاعة من قبل الرجل لا تحرم شيئا فأنكحتها إياه‏,‏ فلم تزل عنده حتى هلك عنها ولنا ما روت عائشة رضي الله عنها ‏(‏‏(‏ أن أفلح أخا أبي القعيس استأذن على بعدما أنزل الحجاب فقلت‏:‏ والله لا آذن له حتى أستأذن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإن أخا أبي القعيس ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأة أبي القعيس‏,‏ فدخل على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقلت‏:‏ يا رسول الله إن الرجل ليس هو أرضعني ولكن أرضعتني امرأته فقال ائذني له فإنه عمك‏,‏ تربت يمينك قال عروة‏:‏ فبذلك كانت عائشة تأخذ بقول‏:‏ حرموا من الرضاع ما يحرم من النسب ‏)‏‏)‏ متفق عليه وهذا نص قاطع في محل النزاع فلا يعول على ما خالفه فأما حديث زينب فإن صح فهو حجة لنا فإن الزبير كان يعتقدها ابنته وتعتقده أباها‏,‏ والظاهر أن هذا كان مشهورا عندهم وقوله مع إقرار أهل عصره أولى من قول ابنه وقول قوم لا يعرفون‏.‏